رحلة البحث عن رسمية الدركية بـ"سعسع" المهجّرة
وقف حارس قرية "سعسع" الفلسطينية المهّجرة ورفع يده معطيًا إشارة "قف"، ليحاول بذلك منع رحلة البحث عن عائلة عربية فلسطينية ما زالت تقطن القرية ولم يلتق بها أحد قط، منذ أن حوّلتها "اسرائيل" إلى مستوطنة "ساسا".
وأفاد ناشط فلسطيني من الداخل المحتل وكالة "صفا"، بأن معلومات توّصل إليها بعد فحص وتحقيق، عن وجود عائلة فلسطينية في القرية، وتكبرها امرأة حديدية لم يستطع كل العدوان الإسرائيلي أن يرغمها على مغادرة القرية، واسمها "رسمية الدركية".
و"سعسع" تبعد 31 كم شمال شرق مدينة صفد و 4 كم فقط من الحدود مع لبنان، وهي تقع على قمة جبل بارتفاع 875 م فوق سطح البحر، ويقابلها جبل الجرمق من الجنوب.
ويعود تاريخ القرية إلى بداية الألف الثاني قبل الميلاد، حينما كانت موقعًا كنعانيًا استراتيجيًا هامًا يشرف على ما حوله من مناطق.
ولكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي ممثلة بما تسمى "دائرة أراضي اسرائيل" سيطرت عليها، وأصبحت الأن مستوطنة "ساسا".
رحلة البحث
واستغرق وصول الناشط علي العكاوي إلى سعسع-في رحلته للبحث عن العجوز الدركية- 80 دقيقة انطلاقًا من مدينة عكا وصولاً إلى قرية الكابري مرورًا ببلدتي "ميعليا" و"ترشيحا".
ويقول "أثلج قلبي عندما شاهدت تمثال سلطان باشا الأطرش وهو يركب جواده، حتى انصدمت بعد ذلك ببعض الأماكن التي تحمل ذكرى جنود من حرفيش قُتلوا في حروب إسرائيل العدوانية على العرب".
فرح الناشط للوهلة الأولى بسماعه حارس القرية ينطق العربية، فطلب منه إذنًا بالدخول، لكنه رد بالقول: لا يمكنكم الدخول إلى هنا أبداً وهذا بسبب التعليمات الأمنية للمستوطنة، لا يدخلها الغرباء أبداً.
وهنا سأل الناشط الحارس: "لا يدخلها الغرباء العرب أم اليهود؟"، ولكنه صمت ولم يرد.
وحاول الناشط مرارًا الدخول إلى القرية، إلا أنه لم يستطع ذلك، فسأل الحارس إذا ما كانت هناك عائلات عربية في المكان، إلا أن الأخير الذي يعمل منذ 3 سنوات في سعسع "المستوطنة حاليًا"، تقبل السؤال بالضحك، ونفي علمه بذلك.
ويقول "لم أتردد وأكملت مشواري حتى وصلت مقبرة في أعلى الهضبة، وهي على أعتاب المستوطنة، ثم وصلت إلى مدخل حديقة جميلة وبوابتها الحديدية كانت أشبه بقطعة فنية رائعة".
والتقى الناشط بيهودي يُدعى "يعكوف" يسكن في إحدى البيوت التاريخية القديمة في القرية المهّجرة، وحاول دخول القرية بمساعدته، إلا أن حارس المستوطنة منعه من ذلك.
وكما يقول "أخبرت يعكوف الهدف من زيارة القرية، وشعرت أنه يعرف أين يسكن أصحاب المكان، فقال: "جميعهم هربوا من هنا إلى لبنان من خلال قرية رميش التي تبعد هناك عدة مئات من الأمتار وهم يسكنون مخيم البداوي والنهر البارد والرشيدية".
ونقل عن اليهودي قوله "إن سكان المستوطنة أتوا من شمال أمريكا وأن الحافلة الأولى لشركة "أيجد" دخلت القرية في يناير 1949"، واستمر حديثه لأكثر من نصف ساعة وهو يصف انجازات اليهود تارة وعن السلام تارة أخرى.
ولكن الناشط شكك أيضًا في المعلومات التي قدّمها اليهودي المذكور بخصوص العائلة العربية.
"جنة"
"وفي حواري معه، سألته إذا كان على استعداد أن يخلي المنزل الذي يقطنه في القرية، فرد بالقول: "هل أنا مجنون كآدم وحواء بأن أترك الجنة؟".
ويعلّق العكاوي "رغم احتجاجي على عبارته، إلا أن اليهودي صدق في وصف القرية بالجنة، فهي تنطق بهذا الوصف، فالمياه كثيرة والأمطار كافية، والغابات الحرجية تشغل مساحات كبيرة من أراضيها".
ويصفها أيضًا بالقول "كروم الزيتون والتفاح والأجاص والعنب، وغيرها من الأشجار والمعالم التي تجعل أي شخص يعيشها، يتشبث بها ولا يتكرها إلا إذا كان مجنونًا".
ومن أشهر أودية القرية، "وادي ناصر" ويقع في الجهة الشرقية من القرية ويشكل حداً فاصلاً بين الجش وسعسع، إضافة لوادي سحيل في الجهة الجنوبية من القرية ويتصل مع وادي "المرنة" ووادي الحبيس قرب حرفيش، ووادي الشريف شمالها.
وتتميز القرية بوجود عيون، كعين البرية في الجهة الشمالية من القرية وتبعد 1.5 كم عنها, وعين الحميمة جنوب شرقها وهي تنبع من داخل مغارة صخرية، إضافة للعين الصغيرة شمالها والتي تقع داخل حفرة صخرية، وعين الرخم وغباطية.
وفي داخل القرية المهّجرة تقام مصانع اسرائيلية كبيرة، لا يُعرف طبيعة العمل داخلها، ولذلك فهي محاطة بحراسة أمنية مشددة، هي ما منع العكاوي من استكمال رحلة البحث عن عائلة رسمية الدركية، فغادرها أملاً العودة برحلة أخرى، للعثور على العائلة.
ولكن موقع "ويكيبيديا" تطرق أيضًا لقضية العائلة العربية خلال العام الجاري، وأكد أنها لا تزال تسكن فيها، بالرغم من أنها تحويلها لمستوطنة اسرائيلية.
وهنا يذهب الناشط بالقول "إن التأكد من وجود العائلة يتطلب المزيد من التحقيقات الميدانية، خاصة وأننا نتحدث عن مستوطنة اسرائيلية، ليس من السهل الدخول إليها".
تجدر الإشارة إلى أن معالم القرية تشير لسكانها الرومانيين والبيزنطيين القدامى، وتحتوي البلدة على العديد من المغاور التي كانت تستعمل كمدافن، ويوجد فيها مقام يسمى "سعيد الصديق"، وقد حصلت وكالة "صفا" بعض الصور القديمة في بداية الاحتلال لفلسطين، من خلال أرشيف "الكيبوتس".